الأدب الإسلامي

 

عام مضي

 

  شعـر : الشاعر الإسلامي الكبير عبد الرحمن صالح العشماوي / الرياض

  

 

  

 

 

 

عامٌ مضى يا أُمَّنا الغاليهْ

وأنتِ عن منزلنا نائيَهْ

نأيتِ يا أمّاه نَأْيًا، به

دارتْ طواحين الأسى القاسيَهْ

عام مضى ، لم نَسْقِ أرواحَنا

من نَبْع تلكَ البسمةِ الصَّافيهْ

لم نمسح الآلامَ في ظَلّه

بنظراتِ المُقلّة الحَانيَهْ

عام مضى لم نَرْتشِفْ رَشْفَةً

واحدةً من روحكِ الغاليَهْ

عام مضى، والقبرُ مُسْتَأْنِسٌ

والبيتُ في وحشتِه الثَّاويَهْ

كلُّ القناديلِ التي أُسْرِجَتْ

من بعد أمي أصبحتْ ذاويَهْ

حتى نجوم الليل أنكرتُها

بالرغم من أنوارها الزَّاهيَهْ

أروح، أغدو، ومعي حَسْرَةٌ

من بَعدها رائحةٌ غاديَهْ

قريبةُ المَثْوى ؛ ولكنَّها

بعيدةٌ كالنجمة القاصيَهْ

دانيةٌ، والشوقُ نارٌ، ولا

تُمكِنُ لُقيانا ولو ثانيَهْ

نائيةٌ، يا ويحَ قلبي الذي

ما زال يشكو لَوْعةً كاويَهْ

عام مضى – كلاَّ – ولكنَّه

دَهْرٌ تداعتْ فيه آلاميَهْ

كم ليلة قادمةٍ بالأسى

تَخْلُفُ فيه الليلةَ الماضيَهْ

كأنها تبقى على حالها

من دونِ فجرٍ، فوقنا ساجيَهْ

أسهرني فيها الأنينُ الذي

أشعل بالنيرانِ أعماقيَهْ

يا حَسْرَةَ الدَّار التي أصبحتْ

من كلِّ آثار الرِّضا خاويَهْ

دارٌ تعاوتْ بين أرجائها

رياحُ حـزنٍ صَـرْصَــرٍ عاتيَهْ

حصَّنها بالذِّكر سكَّانُها

فقاومتْ ريح الأسى السافيَهْ

أوَّاه – يا أمَّاه – من لَوْعةٍ

ما تركتْ من مُهجتي زاويَهْ

كم حُرْقةٍ في القلب أطْفأْتُها

بدعوةٍ صادقةٍ صافيَهْ

أرسلتُها في الليل ممزوجةً

بأدْمعٍ من مقلتي الباكيَهْ

وجَّهتُها للهِ في ليلةٍ

محرومةٍ من بدرها شاتيَهْ

يا سائلاً عني وعن حسرتي

هلاَّ سأَلْتَ الشعر والقافيَهْ

أمَّا أنا فالله أدرى بما

أكتم من أحزانيَ القاسيَهْ

كم ضِحكةٍ أرسلتُها جاهدًا

تُخفي شظايا لوعةٍ خافيَهْ

كم حسرةٍ دارَيْتُها، حينما

غَفَلْتُ عنها رجعتْ ثانيَهْ

يا خالقَ الأكوانِ ، يا مَنْ به

علَّقْتُ أحلامي وآماليَهْ

يا رَبِّ ضاعِفْ أجْرَ أمِّي التي

كانتْ مَدَى العُمْر لنا راعيَهْ

كانتْ على ما كانَ من حالنا

دائبةً من أجلنا ساعيَهْ

يا رَبِّ اسكنْ أمَّنا جنَّةً

قطوفها من كفِّها دانيَهْ

في جَنَّةِ الفردوس يا خالقي

هَيِّئْ لها منزلةً عاليَهْ

تفوز فيها بالنعيم الذي

تحيا به في عيشةٍ راضيَهْ

أمَّاه هذا جُهْدُ قلبي الذي

يستمطر الرحمةَ والعافيَهْ

آمنتُ باللهِ الذي عنده

أستثمِرُ الصَّبرَ على حاليَهْ

لولا يقينٌ عزَّ قلبي به

فازَ الأسى بالضَّربةِ القاضيَهْ

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محـرم – صفـر 1428هـ = فبـراير - مارس  2007م ، العـدد : 1-2  ، السنـة : 31.